فصل: (بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ) وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَمَا تَصِحُّ فِيهِ فِي بَعْضٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(بَابُ اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ) وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ فِيهَا الصَّلَاةُ وَمَا تَصِحُّ فِيهِ فِي بَعْضٍ:

وَمَا يَصِحُّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَهَذَا الشَّرْطُ السَّابِعُ لِلصَّلَاةِ، وَاجْتِنَابِهَا (بَدَنَ مُصَلٍّ وَثَوْبَهُ وَبُقْعَتَهُمَا) أَيْ: الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ. (وَعَدَمَ حَمْلِهَا)، أَيْ: النَّجَاسَةِ (شَرْطٌ) لِصِحَّةِ (الصَّلَاةِ مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَى اجْتِنَابِهَا (حَيْثُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا) لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَامَّةِ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» ,وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَرَّ بِالْقَبْرَيْنِ «إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ؛ أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ الْبَوْلِ» بِالْمُثَلَّثَةِ قَبْلَ الرَّاءِ. قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى. وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ، كَمَا فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ «لَا يَسْتَنْزِهُ». وَقَالَ تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ بِتَطْهِيرِ الثِّيَابِ مِنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَتَطَهَّرُونَ، وَلَا يُطَهِّرُونَ ثِيَابَهُمْ. وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهَا، وَهُوَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ لَكِنْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْهِجْرَةِ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَانْبَعَثَ أَشْقَى الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِسَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، وَدَمِهَا وَفَرْثِهَا، فَطَرَحَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، حَتَّى أَزَالَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَالَ الْمَجْدُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَتَى بِدَمِهَا، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ، وَلَعَلَّ الْخَمْسَ لَمْ تَكُنْ فُرِضَتْ، وَالْأَمْرُ بِتَجَنُّبِ النَّجَاسَةِ مَدَنِيٌّ مُتَأَخِّرٌ، بِدَلِيلِ خَبَرِ النَّعْلَيْنِ، وَصَاحِبِ الْقَبْرَيْنِ، وَالْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، وَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي آتِي فِيهِ أَهْلِي؟ قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ تَرَى فِيهِ شَيْئًا فَتَغْسِلَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَثَبَتَ بِهَا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاجْتِنَابِهَا، وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ. وَكَطَهَارَةِ الْحَدَثِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا: كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ بِمَحِلِّهِ، وَيَسِيرِ الدَّمِ، وَنَحْوِهِ. وَنَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ، لَيْسَ اجْتِنَابُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (وَهِيَ) أَيْ: النَّجَاسَةُ: (كُلُّ مُسْتَقْذَرٍ) عَيْنًا كَانَ؛ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ صِفَةً، كَأَثَرِ بَوْلٍ بِمَحِلٍّ طَاهِرٍ. (يَمْنَعُ صِحَّتَهَا حَيْثُ لَا مُرَخِّصَ) لِمُبَاشَرَتِهَا، أَوْ حَمْلِهَا. (فَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْ حَامِلِ مُسْتَجْمَرٍ)؛ لِأَنَّ أَثَرَ الِاسْتِجْمَارِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي مَحِلِّهِ.
(وَ) مِنْ حَامِلِ (حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) كَالْهِرِّ؛ لِأَنَّ مَا بِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ فِي مَعِدَتِهَا فَهِيَ كَالنَّجَاسَةِ فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي «وَصَلَّى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَامِلًا أُمَامَةَ».
(وَ) تَصِحُّ (مِمَّنْ مَسَّ ثَوْبُهُ ثَوْبًا) نَجِسًا (أَوْ حَائِطًا نَجِسًا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحِلًّا لِثَوْبِهِ وَلَا بَدَنِهِ. فَإِنْ اسْتَنَدَ إلَيْهِ، فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْبُقْعَةِ لَهُ: (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ مِمَّنْ (قَابَلَهَا رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَلَمْ يُلَاقِهَا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِصَلَاتِهِ، وَلَا مَحْمُولًا فِيهَا. وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، وَلَمْ يُصِبْهَا. فَإِنْ لَاقَاهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. (أَوْ سَقَطَتْ) النَّجَاسَةُ (عَلَيْهِ فَزَالَتْ أَوْ أَزَالَهَا سَرِيعًا)، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «بَيِّنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ، إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَخَلَعَ النَّاسُ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ؟ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَكَ، فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا. قَالَ: إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا قَذَرًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّ مِنْ النَّجَاسَةِ مَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهَا، فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِ زَمَنِهَا، كَكَشْفِ الْعَوْرَةِ. (أَوْ صَلَّى عَلَى) مَحَلٍّ (طَاهِرٍ) مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ حَصِيرٍ، أَوْ بِسَاطِ (طَرَفُهُ مُتَنَجِّسٌ) فَتَصِحُّ. (وَلَوْ تَحَرَّكَ) الْمُتَنَجِّسُ (بِحَرَكَتِهِ أَوْ) وَضَعَ (حَبْلًا تَحْتَ قَدَمِهِ بِطَرَفِهِ) الْخَالِي مِنْ مُبَاشَرَةِ قَدَمِهِ (نَجَاسَةً) فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ،؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُصَلٍّ عَلَيْهَا. وَإِنَّمَا اتَّصَلَ مُصَلَّاهُ بِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طَاهِرَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَرْضٍ نَجِسَةٍ. (غَيْرَ مُتَعَلِّقٍ) بِمُصَلٍّ، وَهُوَ مَشْدُودٌ بِنَجَسٍ (يَنْجَرُّ) النَّجَسُ (بِهِ) أَيْ: مَعَهُ إذَا مَشَى، (فَإِنْ انْجَرَّ) مَعَهُ (كَحَبْلٍ بِيَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ مَشْدُودٍ بِنَجِسٍ أَوْ بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ) وَيُمْكِنُ أَنْ تَنْجَرَّ بِهِ إذَا مَشَى، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ مَحَلُّ التَّرَابُطِ طَاهِرًا. (أَوْ) كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ فِي (حَيَوَانٍ نَجِسٍ، كَكَلْبٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ) وَكُلِّ مَا (يَنْجَرُّ مَعَهُ إذَا مَشَى لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَتْبِعٌ لِلنَّجَاسَةِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَامِلَهَا. وَكَذَا لَوْ أَمْسَكَ حَبْلًا أَوْ غَيْرَهُ مُلْقَى عَلَى نَجَاسَةٍ، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ. ذَكَرَ فِي فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَمِثْلُهُ: لَوْ سَقَطَ طَرَفُ ثَوْبِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَشْدُودُ فِيهِ الْحَبْلُ وَنَحْوُهُ (لَا يَنْجَرُّ) مَعَهُ إذَا مَشَى: (كَسَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ وَحَيَوَانٍ كَبِيرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَرِّهِ إذَا اسْتَعْصَى) عَلَيْهِ، (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ طَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِتْبَاعِ ذَلِكَ، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَمْسَكَ غُصْنًا مِنْ شَجَرَةٍ عَلَى بَعْضِهَا نَجَاسَةٍ لَمْ تُلَاقِ يَدَهُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَإِذَا تَعَلَّقَ بِالْمُصَلِّي صَغِيرٌ بِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا، وَكَانَ لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ إذَا مَشَى انْجَرَّ مَعَهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يُزِلْهُ سَرِيعًا وَإِلَّا فَلَا. (وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِعَجْزٍ عَنْ إزَالَةِ مَا) أَيْ: نَجَاسَةِ (سَقَطَتْ عَلَيْهِ سَرِيعًا) لِإِفْضَائِهِ إلَى اسْتِصْحَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ زَمَنًا طَوِيلًا، أَوْ لِعَمَلٍ كَثِيرٍ إنْ أَخَذَ يُطَهِّرُهَا. (أَوْ جَهِلَ عَيْنَهَا) بِأَنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ لَا يَعْلَمُهُ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا، ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ (أَوْ) جَهِلَ (حُكْمَهَا) بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ (أَوْ نَسِيَهَا)، أَيْ: النَّجَاسَةَ. (أَوْ) جَهِلَ (أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَلِمَ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: إنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَجَعَلَهُ فِي الْحَاوِيَيْنِ أَصَحَّ الرِّوَايَتَيْنِ. وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْجَهْلِ، وَلَا بِالنِّسْيَانِ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. (خِلَافًا لَهُ)، أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ حَيْثُ قَالَ: وَمَتَى وَجَدَ عَلَيْهِ نَجَاسَةً جَهِلَ كَوْنَهَا فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ. (أَوْ حَمَلَ قَارُورَةً) بَاطِنُهَا نَجِسٌ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ) حَمَلَ (آجُرَّةً): وَاحِدَةُ الْآجُرِّ، وَهُوَ: الطُّوبُ الْمَشْوِيُّ (بَاطِنُهَا نَجِسٌ أَوْ) حَمَلَ (بَيْضَةً مَذِرَةً) أَوْ بِهَا فَرْخٌ مَيِّتٌ (أَوْ) حَمَلَ (عُنْقُودًا) مِنْ عِنَبٍ (حَبَّاتُهُ مُسْتَحِيلَةٌ خَمْرًا) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِحَمْلِهِ نَجَاسَةً فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَمَلَهَا فِي كُمِّهِ. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِكَرَاهَةٍ إنْ طِينٌ) أَرْضًا (نَجِسَةٌ) وَصَلَّى عَلَيْهَا (أَوْ بَسَطَ عَلَيْهَا)، أَيْ: الْأَرْضِ النَّجِسَةِ، طَاهِرًا صَفِيقًا، وَلَوْ رَطْبَةً، وَلَمْ تَنْفُذْ إلَى ظَاهِرِهِ (أَوْ) بَسَطَ (عَلَى حَيَوَانٍ نَجِسٍ) طَاهِرًا صَفِيقًا (أَوْ) بَسَطَ عَلَى (حَرِيرٍ طَاهِرًا صَفِيقًا) لَا خَفِيفًا، أَوْ مُهَلْهَلًا (مُبَاحًا) لَا مَغْصُوبًا (أَوْ غَسَلَ وَجْهَ آجُرّ)، مَعْجُونٍ بِالنَّجَاسَةِ (وَصَلَّى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ النَّارَ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُطَهِّرُ، لَكِنَّهَا تَأْكُلُ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ الظَّاهِرَةِ، وَيَبْقَى الْأَثَرُ فَيُطَهَّرُ بِالْغُسْلِ، كَظَاهِرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ، وَيَبْقَى الْبَاطِنُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ. ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ بِمَعْنَاهُ (أَوْ) صَلَّى (عَلَى بِسَاطِ بَاطِنُهُ فَقَطْ نَجِسٌ) وَظَاهِرُهُ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ طَاهِرٌ (أَوْ) صَلَّى عَلَى (عُلُوٍّ مُبَاحٍ لَهُ) بِأَنْ كَانَ بِنَاؤُهُ قَبْلَ الْغَصْبِ أَوْ بَعْدَهُ، لَكِنْ كَانَ الْبَانِي هُوَ مَالِكُ السُّفْلِ، وَصَلَّى بِالْعُلُوِّ بَعْدَ غَصْبِ السُّفْلُ مِنْهُ صَحَّتْ أَوْ كَانَ (سُفْلُهُ غَصْبٌ لِغَيْرِهِ) وَصَلَّى فِي الْعُلُوِّ؛ صَحَّتْ مَعَ الْكَرَاهَةِ. بِخِلَافِ مَا إذَا غَصَبَ مَحَلًّا وَبَنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى فِي الْعُلُوِّ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ. تَابِعٌ لِلْقَرَارِ. (أَوْ) صَلَّى عَلَى (سَرِيرٍ تَحْتَهُ نَجَسٌ) كُرِهَتْ صَلَاتُهُ؛ لِاعْتِمَادِهِ عَلَى مَا لَا تَصِحُّ عَلَيْهِ، وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُبَاشِرًا لِمَا لَا تَصِحّ عَلَيْهِ. (وَإِنْ خِيطَ جُرْحٌ أَوْ جُبِرَ عَظْمٌ) مِنْ آدَمِيٍّ (بِخَيْطٍ) نَجِسٍ، (أَوْ عَظْمٍ نَجِسٍ، فَصَحَّ) الْجُرْحُ أَوْ الْعَظْمُ؛ (لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ)، أَيْ: النَّجَسِ مِنْهُمَا (مَعَ) خَوْفِ (ضَرَرٍ) عَلَى نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ، أَوْ حُصُولِ مَرَضٍ؛ لِأَنَّ حِرَاسَةَ النَّفْسِ وَأَطْرَافِهَا وَاجِبٌ، وَأَهَمُّ مِنْ مُرَاعَاةِ شَرْطِ الصَّلَاةِ. وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ مَاءٍ وَلَا سُتْرَةٍ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ. وَإِذَا جَازَ تَرْكُ شَرْطٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لِحِفْظِ مَالِهِ، فَتَرْكُ شَرْطٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لِحِفْظِ بَدَنِهِ أَوْلَى. فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَزِمَهُ.
(وَ) حَيْثُ لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهُ، فَ (لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ: لِلْخَطِّ أَوْ الْعَظْمِ النَّجِسِ، (إنْ غَطَّاهُ لَحْمٌ) لِإِمْكَانِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فِي جَمِيعِ مَحَلِّهَا. (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُغَطِّهِ اللَّحْمُ (تَيَمَّمَ) لَهُ لِعَدَمِ إمْكَانِ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْتُ: وَيُشْبِهُ ذَلِكَ الْوَشْمُ إنْ غَطَّاهُ اللَّحْمُ، غَسَلَهُ بِالْمَاءِ، وَإِلَّا تَيَمَّمَ لَهُ. (وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ)، أَيْ: مَنْ خِيطَ جُرْحُهُ، أَوْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِنَجِسٍ (بِمِثْلِهِ) قَطْعًا (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) كَذَلِكَ تَصِحُّ إمَامَتُهُ (بِغَيْرِهِ حَيْثُ صَحَّ تَيَمُّمٌ لِنَجَاسَةٍ) عَلَى بَدَنٍ لِعَدَمِ مَاءٍ، كَمَا لَوْ تَضَرَّرَ مَا وُضِعَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَعَ عَدَمِ ضَرَرٍ) بِإِزَالَتِهِ (تَجِبُ إزَالَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ لَمْ تَصِحَّ. (فَلَوْ مَاتَ) مَنْ تَلْزَمُهُ إزَالَتُهُ لِعَدَمِ خَوْفِ الضَّرَرِ (إذَنْ) أَيْ: قَبْلَ إزَالَتِهِ (أُزِيلَ) وُجُوبًا (إلَّا مَعَ مُثْلَةٍ) بِإِزَالَتِهِ، فَلَا تَلْزَمُ إزَالَتُهُ،؛ لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْمَيِّتَ مَا يُؤْذِي الْحَيَّ (وَلَا يَلْزَمُ شَارِبَ خَمْرٍ قَيْءٌ) لِلْخَمْرِ،؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مَحَلٍّ يَسْتَوِي فِيهِ الطَّاهِرُ وَالنَّجِسُ. وَكَذَا سَائِرُ النَّجَاسَاتِ تَحْصُلُ بِالْجَوْفِ. (وَسُؤْرُهُ) أَيْ: شَارِبِ الْخَمْرِ (نَجِسٌ) لِنَجَاسَةِ فَمِهِ (بِخِلَافِ طِفْلٍ) تَنَجَّسَ فَمُهُ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ أُعِيدَ نَحْوُ أُذُنِ) آدَمِيٍّ قُطِعَتْ، أَوْ أُعِيدَ سِنٌّ مِنْهُ قُلِعَتْ، فَطَاهِرٌ.
(وَ) كَذَا لَوْ أُعِيدَ (سِنٌّ) قُلِعَتْ (مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ) أَوْ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَأَعَادَهُ بِحَرَارَتِهِ (فَثَبَتَ كَمَا كَانَ فَطَاهِرٌ)؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ جُمْلَةٍ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا؛ (كَمَا) لَوْ كَانَ ذَلِكَ (مِنْ نَحْوِ آدَمِيٍّ) كَسَمَكٍ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) لِطَهَارَتِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا. وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ مَوْضِعَ سِنٍّ قُلِعَتْ سِنُّ شَاةٍ، وَنَحْوِهَا مُذَكَّاةٍ، وَصَلَّى بِهِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ، بِخِلَافِ سِنِّ شَاةٍ وَنَحْوِهَا، قُلِعَ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ مَيِّتَةٌ، فَإِنَّهُ نَجِسٌ، إذْ مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ كَمَيْتَةٍ.

.(فَصْلٌ) فِي بَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا مُطْلَقًا وَمَا يَصِحُّ فِيهِ النَّفَلُ دُونَ الْفَرْضِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(وَلَا تَصِحُّ تَعَبُّدًا صَلَاةُ غَيْرِ جِنَازَةٍ فِي مَقْبَرَةٍ قَدِيمَةٍ، أَوْ لَا تُقُلِّبَتْ أَوَّلًا) وَهِيَ: مَدْفِنُ الْمَوْتَى، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا «لَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ، فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَلَا يَضُرُّ) أَيْ: لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّلَاةِ مَكَانٌ فِيهِ (قَبْرَانِ) فَقَطْ، (وَلَوْ كَثُرَ مَدْفُونٌ بِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْمَقْبَرَةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْبَرَةُ ثَلَاثَةُ قُبُورٍ فَصَاعِدًا نَقَلَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَبُنِيَ لَفْظُهَا مِنْ الْقَبْرِ،؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا كَثُرَ بِمَكَانٍ جَازَ أَنْ يُبْنَى لَهُ اسْمٌ مِنْ اسْمِهِ، كَمَسْبَعَةٍ وَمَضْبَعَةٍ، لَمَّا كَثُرَ فِيهِ السِّبَاعُ وَالضِّبَاعُ. وَأَمَّا الْخَشْخَاشَةُ وَتُسَمَّى الْفَسْقِيَّةَ، فِيهَا أَمْوَاتٌ كَثِيرُونَ، فَهِيَ قَبْرٌ وَاحِدٌ، اعْتِبَارًا بِهَا لَا بِمَنْ فِيهَا. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَلَا) يَضُرُّ مَا أُعِدَّ لِلدَّفْنِ فِيهِ وَلَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، وَلَا (مَا دُفِنَ بِدَارِهِ وَلَوْ) كَانَ (قُبُورًا) كَثِيرَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْبَرَةٍ (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي حَمَّامٍ) دَاخِلَهُ وَخَارِجَهُ وَأُتُونَهُ (وَ) كُلُّ، (مَا يَتْبَعُهُ فِي بَيْعٍ مِمَّا يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُهُ) لِشُمُولِ الِاسْمِ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: خَبَرٌ صَحِيحٌ (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي حَشٍّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا (وَهُوَ: مَحَلُّ قَضَاءِ حَاجَةٍ مِمَّا هُوَ دَاخِلُ بَابِهِ) وَلَوْ مَعَ طَهَارَتِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ لُغَةً: الْبُسْتَانُ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَحَلِّ قَضَاءِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقْضُونَ حَوَائِجَهُمْ فِي الْبَسَاتِينِ، وَهِيَ الْحُشُوشُ، فَسُمِّيَتْ الْأَخْلِيَةُ فِي الْحَضَرِ حُشُوشًا. (وَلَا) تَصِحُّ أَيْضًا فِي (أَعْطَانِ إبِلٍ) وَاحِدُهَا: عَطَنٌ- بِفَتْحِ الطَّاءِ- وَهِيَ: الْمَعَاطِنُ، جَمْعُ: مَعْطِنٍ، بِكَسْرِهَا. (وَهِيَ: مَا تُقِيمُ فِيهَا وَتَأْوِي إلَيْهَا) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَلَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ» رَوَاه أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ صَحِيحٌ. (فَلَا يَضُرُّ) فِعْلُ صَلَاةٍ (مَوْضِعَ وُرُودِهَا) أَيْ: الْإِبِلِ الْمَاءَ (وَ): لَا مَوْضِعَ (مُنَاخِ عَلَفِهَا وَ) لَا (مَوْضِعَ نُزُولِهَا فِي سَيْرِهَا)؛ لِأَنَّ اسْمَ الْأَعْطَانِ لَا يَتَنَاوَلُهَا، فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّهْيِ. (وَيَتَّجِهُ) بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (زَوَالُ) حُكْمِ (عَطَنٍ) اُتُّخِذَ مَأْوًى لِلْإِبِلِ مُدَّةً ثُمَّ تُرِكَ، فَيَزُولُ عَنْهُ اسْمُ الْعَطَنِ (بـِ) مُجَرَّدِ (رَحِيلِ) نَحْوِ (عَرَبٍ) عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ. وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ بِرَحِيلِهِمْ، فَإِنْ عَادُوا لِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ عَادَ عَطَنًا مُدَّةَ اسْتِقَامَتِهِمْ،؛ لِأَنَّ الْحُكْمِ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ، (وَلَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا (فِي مَجْزَرَةٍ، وَهِيَ مَا) أَيْ: مَكَانٌ (أُعِدَّ لِذَبْحٍ فِيهِ وَلَا) فِي (مَزْبَلَةٍ، وَهِيَ مَرْمَى الزُّبَالَةِ، وَلَوْ طَاهِرَةً، وَلَا) فِي (قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَهِيَ: مَا كَثُرَ سُلُوكُهُ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ سَالِكٌ أَوْ لَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «سَبْعُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ: ظَهْرُ بَيْتِ اللَّهِ، وَالْمَقْبَرَةُ، وَالْمَزْبَلَةُ، وَالْمَجْزَرَةُ، وَالْحَمَّامُ، وَمَعْطِنُ الْإِبِلِ، وَمَحَجَّةُ الطَّرِيقِ». رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ. وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. (وَلَا بَأْسَ) بِالصَّلَاةِ (بِطَرِيقِ أَبْيَاتٍ قَلِيلَةٍ، وَبِمَا عَلَا عَنْ جَادَّةِ مُسَافِرٍ يَمْنَةً وَيَسْرَةً) نَصًّا فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَجَّةٍ. (وَأَسْطُحُهُ مَا مَرَّ) مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهَا (كَهِيَ)؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، لِمَنْعِ الْجَنْبِ مِنْ اللُّبْثِ بِسَطْحِ الْمَسْجِدِ. وَحِنْثِ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا بِدُخُولِ سَطْحِهَا. (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِسَابَاطٍ حَدَثَ عَلَى طَرِيقٍ) لِتَبَعِيَّةِ الْهَوَاءِ لِلْقَرَارِ، بِخِلَافِ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ حَدَثَ تَحْتَ مَسْجِدٍ بَعْدَ بِنَائِهِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ،؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَصِحُّ عَدُّ اجْتِنَابِ أَمَاكِنِ نَهْيٍ شَرْطًا مُسْتَقِلًّا) لِلصَّلَاةِ، (وَكَذَا) يَصِحُّ عَدُّ اجْتِنَابِ (مَكَان) غُصِبَ، (وَثَوْبٍ غُصِبَ مَعَ الذِّكْرِ) شَرْطًا مُسْتَقِلًّا لَهَا، (كَمَا) يَصِحُّ عَدُّ (التَّسْمِيَةِ) مَعَ الذِّكْرِ شَرْطًا (لِوُضُوءٍ) كَذَا قَالَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَسْقُطُ سَهْوًا وَلَا جَهْلًا، وَالصَّلَاةُ فِيمَا ذُكِرَ تَصِحُّ مِنْ جَاهِلٍ وَنَاسٍ، فَافْتَرَقَا. (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى سَطْحِ نَهْرٍ) كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، (لِعَدَمِ وُرُودِ نَهْيٍ) فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا غَيْرِهِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةٍ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَاخْتَارَهُ (خِلَافًا لِلْمُنْتَهَى) فَإِنَّهُ جَزَمَ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي سَطْحِ النَّهْرِ، تَبَعًا لِابْنِ عَقِيلٍ الْقَائِلُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ. مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ. وَقَيَّدَ الْقَاضِي وَمَنْ تَابَعَهُ عَدَمَ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى سَطْحِ نَهْرٍ تَجْرِي فِيهِ سَفِينَةٌ، وَقَالُوا: كَالطَّرِيقِ، وَعَلَّلُوهُ بِمَا يَأْتِي.
(وَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (التَّعْلِيلُ) أَيْ: تَعْلِيلُ الْقَاضِي وَمُتَابِعِيهِ (بِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ؛ يَرُدُّهُ سَفِينَةٌ، وَرَاحِلَةٌ، وَبَيْتٌ) مَبْنِيٌّ (عَلَى بِرْكَةٍ) لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهَا. أُجِيبُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَطْحِ النَّهْرِ وَبَيْنَ السَّفِينَةِ وَنَحْوِهَا بِأَنَّهَا مَظِنَّةُ حَاجَةٍ، وَلَا حَاجَةَ هُنَا. (وَلَوْ جَمَدَ الْمَاءُ فَكَسَطْحِهِ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: إنَّهُ كَالطَّرِيقِ، أَيْ: فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ. قَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ خِلَافًا لِابْنِ تَمِيمٍ، وَصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (عَلَى ثَلْجٍ) بِحَائِلٍ أَوْ لَا، (إذَا وَجَدَ حَجْمَهُ) لِاسْتِقْرَارِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. وَكَذَا حَشِيشٌ، وَقُطْنٌ، وَصُوفٌ مُنْتَفِشٌ إذَا وَجَدَ حَجْمُهُ.
وَ(لَا) تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي بُقْعَةٍ (غُصِبَ مِنْ أَرْضٍ وَحَيَوَانٍ) بِأَنْ يُغْصَبَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ، وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ أُتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَلَمْ تَصِحَّ كَصَلَاةِ الْحَائِضِ (وَغَيْرِهِ) كَمَا لَوْ غَصَبَ سَفِينَةً أَوْ لَوْحًا، فَنَجَّرَهُ سَفِينَةً لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ فِيهَا. (وَلَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (جُزْءًا مَشَاعًا) مِنْ بُقْعَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ جُزْءًا مُعَيَّنًا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَحْدَهُ، فَإِنْ صَلَّى فِيهِ؛ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ صَلَّى فِي غَيْرِهِ: صَحَّتْ (أَوْ) أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَغْصُوبٍ، وَلَوْ (بُسِطَ عَلَيْهِ مُبَاحٌ ا) أَوْ بُسِطَ غَصْبًا عَلَى مُبَاحٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَسَطَ طَاهِرًا صَفِيقًا عَلَى حَرِيرٍ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسْتَعْمِلًا لِلْحَرِيرِ إذَنْ، بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ، فَإِنَّهُ حَالٌّ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ مُبَاحٌ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ غَصْبِهِ لِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا (سَوَاءٌ غَصَبَ ذَلِكَ أَوْ ادَّعَى مِلْكَهُ) بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبَيْنَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مُدَّةً ظُلْمًا (أَوْ) غَصَبَ الْمَنَافِعَ، بِأَنْ يَدَّعِيَ (إجَارَتَهُ ظَالِمًا، أَوْ أَخْرَجَ سَابَاطًا بِمَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ) إخْرَاجُهُ؛ كَأَنْ يُخْرِجَهُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ، فَإِنْ أَذِنُوا، صَحَّتْ. أَوْ فِي نَافِذٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ أَيْ: فَلَا تَصِحُّ وَلَوْ أَذِنَ، كَمَا تَقَدَّمَ. (وَيَصِحُّ وُضُوءٌ وَصَوْمٌ وَأَذَانٌ وَإِخْرَاجُ زَكَاةٍ وَعُقُودٌ) كَبَيْعٍ وَنِكَاحٍ وَغَيْرِهِمَا، وفسوخ: كَطَلَاقٍ، وَخُلْعٍ وَعِتْقٍ (بِمَكَانِ غُصِبَ)؛ لِأَنَّ الْبُقْعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
(وَ) تَصِحُّ (صَلَاةٌ فِي بُقْعَةٍ أَبْنِيَتُهَا غَصْبٌ، وَلَوْ اسْتَنَدَ) إلَى الْأَبْنِيَةِ لِإِبَاحَةِ الْبُقْعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الصَّلَاةِ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُبْدِعِ: وَتُكْرَهُ. وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَا يُبْنَى لِحَرِيمِ الْأَنْهَارِ مِنْ مَسَاجِدَ وَبُيُوتٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ الْبِنَاءُ بِهَا، وَأَمَّا الْبُقْعَةُ فَعَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، (أَوْ) أَيْ: وَتَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ (طُولِبَ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ أَوْ) رَدِّ (غَصْبٍ وَلَمْ يَفْعَلْ) وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَخْتَصُّ الصَّلَاةَ. وَتَصِحُّ صَلَاةُ (قِنٍّ خَالَفَ سَيِّدَهُ بِإِقَامَةٍ بِمَكَانٍ) أَوْ ذَهَابٍ إلَى غَيْرِهِ. وَتَصِحُّ صَلَاةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ (مُتَقَوٍّ عَلَى أَدَاءِ عِبَادَةٍ بِأَكْلِ حَرَامٍ)؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى الْعِبَادَةِ، وَلَا إلَى شُرُوطِهَا، بَلْ إلَى خَارِجٍ عَنْهَا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا. لَكِنْ لَوْ حَجَّ بِغَصْبٍ عَالِمًا ذَاكِرًا، لَمْ يَصِحَّ حَجُّهُ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(وَ) تَصِحُّ صَلَاةُ (نَحْوِ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ وَجِنَازَةٍ وَكُسُوفٍ) وَاسْتِسْقَاءٍ (لِضَرُورَةٍ بِطَرِيقٍ) بِأَنْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ أَوْ الْمُصَلَّى، وَاضْطُرُّوا لِلصَّلَاةِ فِي الطَّرِيقِ لِلْحَاجَةِ.
(وَ) تَصِحُّ صَلَاةُ عِيدٍ وَجُمُعَةٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا بِمَوْضِعٍ (غُصِبَ) أَيْ: مَغْصُوبٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا الْإِمَامُ فِي الْغَصْبِ، وَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ، فَاتَتْهُمْ. وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْخَوَارِجِ، وَالْمُبْتَدِعَةِ، وَفِي الطَّرِيقِ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا، وَكَذَا الْأَعْيَادُ وَالْجِنَازَةُ. (بَلْ وَ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ (فِي الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ الْأَمَاكِنِ الْمُتَقَدِّمَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ خَشِيَ فَوْتَ الْوَقْتِ أَوْ لَا. نُصَّ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: هُوَ الْمَذْهَبُ (لِعُذْرٍ) كَمَا لَوْ حُبِسَ فِيهَا، وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا، فَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ. (وَيَتَّجِهُ الْأَصَحُّ) أَنَّ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لِلصَّلَاةِ فِي أَمَاكِنِ النَّهْيِ، (خَوْفُ خُرُوجِ وَقْتٍ)، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ نُصُوصُهُمْ تَأْبَاهُ. (وَتُكْرَهُ صَلَاةٌ إلَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا «لَا تُصَلُّوا إلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا إلَيْهَا» رَوَاه الشَّيْخَانِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيُقَاسُ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَوَاضِعِ النَّهْيِ إلَّا الْكَعْبَةَ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدٌ، وَشَرْطُ الْقِيَاسِ فَهْمُ الْمَعْنَى. فَإِنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ مَنَعَ صِحَّةَ الصَّلَاةِ إلَى الْمَقْبَرَةِ، وَبَعْضُهُمْ وَإِلَى الْحَشِّ، وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ غَيْرُهُمَا. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ إلَى ذَلِكَ (بِلَا حَائِلٍ) فَإِنْ كَانَ حَائِلٌ لَمْ تُكْرَهْ الصَّلَاةُ، (وَلَوْ) كَانَ (كَمُؤَخِّرَةِ رَحْلٍ) كَسُتْرَةِ الْمُتَخَلِّي، لَا كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ. فَلَا يَكْفِي الْخَطُّ وَنَحْوُهُ، وَلَا مَا دُونَ مُؤَخِّرَةِ رَحْلٍ، بَلْ (وَلَا يَكْفِي حَائِطُ الْمَسْجِدِ نَصًّا) جَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَالنَّاظِمُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرعايتين، وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، لِكَرَاهَةِ السَّلَفِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ قِبْلَتُهُ حَشٌّ (خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ) حَيْثُ اعْتَبَرَ أَنَّ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَافٍ فِي السُّتْرَةِ، وَتَأَوَّلَ النَّصَّ عَلَى سِرَايَةِ النَّجَاسَةِ تَحْتَ مَقَامِ الْمُصَلِّي. (وَلَوْ غُيِّرَتْ أَمَاكِنَ نَهْيٍ غَيْرَ) أَمَاكِنِ (غَصْبٍ بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَجَعْلِ حَمَّامٍ دَارًا، وَمَقْبَرَةٍ مَسْجِدًا)، أَوْ نُبِشَ الْمَوْتَى وَحُوِّلَتْ عِظَامُهُمْ، (وَصَلَّى فِيهَا) (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ (وَكَمَقْبَرَةِ مَسْجِدُ حَدَثَ بِهَا) أَيْ: الْمَقْبَرَةِ، فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ، أَوْ لِعُذْرٍ.
قَالَ الْآمِدِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ (لَا إنْ حَدَثَتْ هِيَ) أَيْ: الْقُبُورُ، (حَوْلَهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ وَكَذَا (لَوْ) حَدَثَتْ (فِي قِبْلَتِهِ فَ) تُكْرَهُ (كَصَلَاةٍ إلَيْهَا) بِلَا حَائِلٍ (وَلَوْ وُضِعَ قَبْرٌ) أَيْ: مَقْبَرَةٌ، (وَمَسْجِدٌ مَعًا، لَمْ يَجُزْ) وَضْعُ ذَلِكَ، (وَلَمْ يَصِحَّ وَقْفٌ، وَ) لَا (صَلَاةٌ) بِهِ. (قَالَهُ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِطَرِيقٍ حَدَثَتْ بِمَسْجِدٍ) وَكَذَا لَوْ حَدَثَ غَيْرُهُ مِنْ مَوَاضِعِ النَّهْيِ، كَحَشٍّ بَعْدَ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، فَالصَّلَاةُ فِيهِ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِمَا حَدَثَ بَعْدَهُ. (وَتُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِأَرْضِ خَسْفٍ، وَمَا نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ) مِنْ الْأَرَاضِي الْمَسْخُوطِ عَلَيْهَا، (كـَ) أَرْضِ (بَابِلَ) وَأَرْضِ الْحِجْرِ (وَدِيَارِ ثَمُودَ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَقَالَ: إنَّهَا مَلْعُونَةٌ» وَلِأَنَّهَا مَوَاضِعُ مَسْخُوطٌ عَلَيْهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمَ مَرَّ بِالْحِجْرِ «لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» (وَ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ (بِمَسْجِدِ الضِّرَارِ) إذَا لَمْ تَكُنْ أَرْضُهُ مَغْصُوبَةً.
(وَ) تَصِحُّ أَيْضًا فِي (مَدْبَغَةٍ وَرَحًى وَ) تَصِحُّ (عَلَيْهَا) أَيْ: الرَّحَى مَعَ الْكَرَاهَةِ.
(وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (بِأَرْضٍ سَبِخَةٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: مَعَ الْكَرَاهَةِ.
(وَ) تَصِحُّ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَتَصِحُّ أَيْضًا فِي (مَقْصُورَةِ مَسْجِدٍ تُحْمَى لِأَكَابِرَ) مِنْ أُمَرَاءَ (وَسَلَاطِينِ) نَصًّا. (وَلَا تُكْرَهُ) الصَّلَاةُ (بِبِيَعٍ) وَهِيَ: مَعْبَدُ النَّصَارَى (وَكَنَائِسُ): مَعْبَدُ الْيَهُودِ، (وَلَوْ مَعَ) وُجُودِ (صُوَرٍ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِقْنَاعِ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: (وَلَيْسَتْ) الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ (مِلْكًا لِأَحَدٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهَا؛ لِأَنَّا صَالَحْنَاهُمْ عَلَيْهِ) نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي الْوَلِيمَةِ.

.(فَرْعٌ): [مَا كُرِهَ لِعَارِضٍ]:

(يُثَابُ عَلَى مَا كُرِهَ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِعَارِضٍ) (كَمَا مَرَّ) مِنْ الصَّلَاةِ إلَى أَمَاكِنِ النَّهْيِ، وَأَرْضِ الْخَسْفِ وَمَا نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ، وَمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَالْمَدْبَغَةِ، وَالرَّحَى، وَالْأَرْضِ السَّبِخَةِ، وَالْمَقْصُورَةِ الْمَحْمِيَّةِ، (وَكَوُضُوءٍ بِمَا كُرِهَ) اسْتِعْمَالُهُ لِشِدَّةِ حَرِّهِ أَوْ بَرْدِهِ (بِخِلَافِ مَا كُرِهَ لِذَاتِهِ؛ كَسِوَاكِ صَائِمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَلَا يُعَدُّ) مَا كُرِهَ لِذَاتِهِ (عِبَادَةً)، بِخِلَافِ مَا كُرِهَ لِعَارِضٍ.

.(فَصْلٌ): [الصلاةُ فِي الْكَعْبَةِ أو عَلَى ظَهْرِهَا]:

(وَلَا يَصِحُّ فَرْضٌ فِي الْكَعْبَةِ) الْمُشَرَّفَةِ (وَلَا عَلَى ظَهْرِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَالشَّطْرُ: الْجِهَةُ. وَمَنْ صَلَّى فِيهَا، أَوْ عَلَى سَطْحِهَا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لِجِهَتِهَا؛ وَلِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَدْبِرًا مِنْ الْكَعْبَةِ، مَا لَوْ اسْتَقْبَلَهُ مِنْهَا، وَهُوَ خَارِجُهَا، صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ وَلِأَنَّ النَّهْيَ عَلَى ظَهْرِهَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. وَالْجِدَارُ لَا أَثَرَ لَهُ؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ، بِدَلِيلِ: أَنَّهُ يُصَلَّى لِلْبُقْعَةِ حَيْثُ لَا جِدَارَ، (إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهَا)، أَيْ: الْكَعْبَةِ (بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ) مِنْهَا، (أَوْ) وَقَفَ (خَارِجَهَا)، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (وَسَجَدَ فِيهَا) فَيَصِحُّ فَرْضُهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْبِلٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْكَعْبَةِ، غَيْرَ مُسْتَدْبِرٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا، كَمَا لَوْ صَلَّى إلَى أَحَدِ أَرْكَانِهَا. (وَتَصِحُّ نَافِلَةٌ) فِي الْكَعْبَةِ، وَعَلَيْهَا.
(وَ) تَصِحُّ (مَنْذُورَةٌ فِيهَا وَعَلَيْهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا)، عَلَى الْمَذْهَبِ. اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْكَبِيرِ، وَالْفَائِقُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي الْخُطْبَةِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى. (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَوْ صَلَّى لِغَيْرِ وَجَاهَةٍ إذَا دَخَلَ جَازَ، إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا كَالْبِنَاءِ، وَالْبَابِ وَلَوْ مَفْتُوحًا، أَوْ عَتَبَتِهِ الْمُرْتَفِعَةِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِالْآجُرِّ الْمُعَبَّأِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ، وَلَا بِالْخَشَبِ غَيْرِ الْمَسْمُورِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَاخِصٌ، وَسُجُودُهُ عَلَى مُنْتَهَاهَا، لَمْ تَصِحَّ. انْتَهَى.
(مَا لَمْ يَسْجُدْ عَلَى مُنْتَهَاهَا) أَيْ: الْكَعْبَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَاخِصٌ مُتَّصِلٌ بِهَا، فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا فِيهِ. (وَيُسَنُّ نَفْلُهُ فِيهَا، وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَتَنَفَّلَ (وِجَاهَهُ، إذَا- دَخَلَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَبِلَالٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ، فَلَقِيتُ بِلَالًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ عَنْ يَسَارِكَ إذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ»، رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَأَمَّا مَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أُسَامَةَ أَيْضًا، وَالْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ» فَجَوَابُهُ أَنَّ الدُّخُولَ كَانَ مَرَّتَيْنِ، فَلَمْ يُصَلِّ فِي الْأُولَى، وَصَلَّى فِي الثَّانِيَةِ. كَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَيَجُوزُ) التَّنَفُّلُ (لِغَيْرِ وَجَاهَةٍ) إذَا دَخَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِهِ قِبْلَةٌ. (وَنَفْلٌ سُنَّ جَمَاعَةً) فِعْلُهُ (خَارِجَهَا)، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (بِهَا) أَيْ: بِالْجَمَاعَةِ، (أَفْضَلُ مِنْهُ)، أَيْ: مِنْ فِعْلِهِ (دَاخِلٌ بِدُونِهَا)، أَيْ: الْجَمَاعَةِ. (إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا) إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَنَفْلٌ بِبَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ بِمَسْجِدٍ، وَلَوْ الْحَرَامُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبُعْدِهِ مِنْ الرِّيَاءِ، وَقُرْبِهِ مِنْ الْإِخْلَاصِ. (وَسُنَّ تَنَفُّلٌ فِي الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، (وَهُوَ) أَيْ: الْحِجْرُ (مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْكَعْبَةِ، لِخَبَرِ عَائِشَةَ (وَقَدْرُهُ سِتَّةُ أَذْرُعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ (وَشَيْءٌ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْحِجْرُ جَمِيعُهُ لَيْسَ مِنْ الْبَيْتِ: وَإِنَّمَا الدَّاخِلُ فِي حُدُودِ الْبَيْتِ سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَشَيْءٌ، فَمَنْ اسْتَقْبَلَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ أَلْبَتَّةَ انْتَهَى.
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الطَّوَافِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ خُرُوجِهِ جَمِيعِهِ احْتِيَاطًا، وَيَأْتِي. (وَيَصِحُّ التَّوَجُّهُ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْبَيْتِ، أَشْبَهَ سَائِرَهُ (وَلَوْ لِمَكِّيٍّ)، سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا. (وَالْفَرْضُ فِيهِ)، أَيْ: الْحِجْرِ، (كَدَاخِلِهَا)، أَيْ: لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَقَفَ عَلَى مُنْتَهَاهُ، أَوْ لَمْ يَبْقَ وَرَاءَهُ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ وَقَفَ خَارِجَهُ وَسَجَدَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ. (وَلَوْ نُقِضَ بِنَاءُ الْكَعْبَةِ) أَوْ سَقَطَ (وَجَبَ اسْتِقْبَالُ مَوْضِعِهَا، وَهَوَائِهَا دُونَ أَنْقَاضِهَا)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبُقْعَةُ لَا الْأَنْقَاضُ. (وَلَوْ عَلَى جَبَلٍ يَخْرُجُ عَنْ مُسَامَتَةٍ بُنْيَانُهَا) كَأَبِي قُبَيْسٍ (صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (لِهَوَائِهَا) وَكَذَا لَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً فِي الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَنْزِلُ عَنْ مُسَامَتَةٍ بُنْيَانُهَا صَحَّتْ إلَى هَوَائِهَا؛ إذْ الْمَقْصُودُ الْبُقْعَةُ لَا الْجِدَارُ. (وَلَا بَأْسَ بِتَغَيُّرِ حِجَارَتِهَا)، أَيْ: الْكَعْبَةِ، وَإِبْدَالِهَا بِحِجَارَةٍ أَقْوَى مِنْهَا (إنْ احْتَاجَتْ لِمِرَمَّةٍ)، وَلَمْ تُمَكَّنْ بِدُونِ التَّغْيِيرِ، وَإِلَّا فَلَا. (لَا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ، فَيَحْرُمُ) تَغْيِيرُهُ (لِعَدَمِ قِيَامِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ)، بَلْ يَجِبُ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالٍ. وَلَوْ تَشَعَّثَ أَوْ تَكَسَّرَ يُلْصَقُ فِي مَحَلِّهِ، وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِهِ. (وَلَا يَنْتَقِلُ النُّسُكُ مَعَهُ) أَيْ: الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، إذَا نُقِلَ مِنْ مَكَانِهِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ الطَّوَافُ بِجُمْلَةِ الْبَيْتِ، لَا بِالْحِجْرِ عَلَى انْفِرَادِهِ. (وَكُرِهَ نَقْلُ حِجَارَتِهَا)، أَيْ: الْكَعْبَةِ، (عِنْدَ عِمَارَتِهَا إلَى غَيْرِهَا) مِنْ الْأَمَاكِنِ. (وَفِي الْفُنُونِ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّى أَبْنِيَتُهَا زِيَادَةً عَلَى مَا وُجِدَ مِنْ عُلُوِّهَا) زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَفِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ جَوَازُ الْبِنَاءِ عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ)، (يَعْنِي إدْخَالَ الْحِجْرِ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى) كَلَامُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ. (وَقَدْ فَعَلَهُ) أَيْ: الْبِنَاءَ، عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ أَعَادَهَا الْحَجَّاجُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ قُرَيْشٍ، وَأَخْرَجَ الْحِجْرَ مِنْهَا، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنِ. (وَرَأَى) الْإِمَامُ (الشَّافِعِيُّ، وَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (تَرْكَهُ)، أَيْ: الْبِنَاءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ (لِئَلَّا يَصِيرَ الْبَيْتُ مِلْعَبَةً لِلْمَمْلُوكِ) فَيَسْقُطُ تَعْظِيمُهُ مِنْ أَعْيُنِ الْجُهَّالِ.

.(بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) وَبَيَانُ أَدِلَّتِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْقِبْلَةُ: الْوَجْهَةُ، وَهِيَ: الْفَعْلَةُ مِنْ الْمُقَابَلَةِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: مَا لَهُ قِبْلَةٌ، وَلَا دَبْرَةٌ، إذَا لَمْ يَهْتَدِ لِجِهَةِ أَمْرِهِ. وَأَصْلُ الْقِبْلَةِ فِي اللُّغَةِ: الْحَالَةُ الَّتِي يُقَابِلُ الشَّيْءُ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، كَالْجِلْسَةِ لِلْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنَّهَا صَارَتْ كَالْعِلْمِ لِلْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُهَا. وَسُمِّيَتْ قِبْلَةً لِإِقْبَالِ النَّاسِ عَلَيْهَا، أَوْ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَابِلُهَا، وَهِيَ تُقَابِلُهُ. وَاسْتِقْبَالُهَا (فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَهَا)، أَيْ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} وَهُوَ الشَّرْطُ الثَّامِنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ. (مَعَ قُدْرَةٍ) عَلَيْهِ (لَا مَعَ عُذْرٍ) كَعَجْزٍ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ؛ كَالْتِحَامِ حَرْبٍ، وَهَرَبٍ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ أَوْ سَبُعٍ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ) كَانَ الْعُذْرُ (نَادِرًا، كَمَرِيضٍ)، وَمَصْلُوبٍ (وَمَرْبُوطٍ عَجَزَ عَنْ اسْتِقْبَالٍ) وَعَمَّنْ يُدِيرُهُ إلَى الْقِبْلَةِ، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إلَى غَيْرِهَا بِلَا إعَادَةٍ، لِعَجْزِهِمْ عَنْ الشَّرْطِ فَيَسْقُطُ، كَالْقِيَامِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. (وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ عَشْرَ سِنِينَ بِمَكَّةَ) جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي شَرْحِ الْخِرَقِيِّ الصَّغِيرِ وَالسَّامِرِيُّ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَهِيَ الْمُدَّةُ الَّتِي أَقَامَهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِنَاءً عَلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ» الْحَدِيثَ. وَمَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِهِ: اخْتَلَفُوا فِي صَلَاتِهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ قَوْمٌ: كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا صَارَ إلَى الْمَدِينَةِ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ بِمَكَّةَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إلَّا أَنَّهُ يَجْعَلُ الْقِبْلَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ كَانَ يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَطْ بِمَكَّةَ وَبِالْمَدِينَةِ أَوَّلًا سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ- تَعَالَى- بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْكَعْبَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلَاحِ.
(وَ) صَلَّى أَيْضًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا بِالْمَدِينَةِ)، وَقِيلَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا. رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ إنَّهُ وَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ، فَمَرَّ رَجُلٌ كَانَ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَجَّهَ إلَى الْكَعْبَةِ، فَانْحَرَفُوا إلَى الْكَعْبَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ، وَلَمْ يُشِرْ إلَى خِلَافِهِ. وَقَدْ وَرَدَ (بِالسُّنَّةِ) قَوْلَانِ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ.
(وَ) وَرَدَ فِي (الْقُرْآنِ) أَيْضًا (قَوْلَانِ) قِيلَ عَنْ أَحَدِهِمَا: إنَّهُ نَزَلَ بِهِ قُرْآنٌ وَنُسِخَ، وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا- تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. (ثُمَّ أُمِرَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِالتَّوَجُّهِ لِلْكَعْبَةِ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} الْآيَةَ. (فَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (لِقَادِرٍ) عَلَى الِاسْتِقْبَالِ (بِدُونِ اسْتِقْبَالِهَا) أَيْ: الْقِبْلَةِ، (إلَّا فِي نَفْلِ وَرَاتِبَةِ مُسَافِرٍ، فَقِبْلَتُهُ جِهَةُ سَيْرِهِ) عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ لِلْخَبَرِ فِي الرَّاكِبِ، وَيَأْتِي. (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (مَاشِيًا) لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي خَوْفِ الِانْقِطَاعِ عَنْ الْقَافِلَةِ فِي السَّفَرِ (سَفَرًا مُبَاحًا) كَالتِّجَارَةِ، (وَلَوْ قَصِيرًا) كَدُونِ الْمَسَافَةِ (لَا مَكْرُوهًا) كَسِيَاحَةٍ، وَلَا مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ نَفْلَهُ كَذَلِكَ رُخْصَةٌ، وَلَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي. (أَوْ) تَنَفَّلَ (حَضَرًا) كَالرَّاكِبِ السَّائِرِ فِي مِصْرِهِ، أَوْ قَرْيَتِهِ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الِاسْتِقْبَالُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ. (وَلَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ فِي نَفْلِ (رَاكِبٍ تَعَاسِيفَ وَهُوَ)، أَيْ: التَّعَاسِيفُ: (رُكُوبُ فَلَاةٍ وَقَطْعُهَا عَلَى غَيْرِ صَوْبٍ)، وَمِنْهُ الْهَائِمُ، وَالتَّائِهُ، كَمَا لَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ. (وَلَا) يَسْقُطُ الِاسْتِقْبَالُ عَنْ (رَاكِبِ مِحَفَّةٍ وَاسِعَةٍ) أَوْ عمارية وَهَوْدَجٍ، فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا مَشَقَّةٍ. (وَلَا) عَنْ رَاكِبِ (نَحْوِ سَفِينَةٍ) كَزَوْرَقٍ، إذَا كَانَ (غَيْرَ مَلَّاحٍ)، أَمَّا الْمَلَّاحُ فَمَعْذُورٌ لِانْفِرَادِهِ بِتَدْبِيرِهَا. (وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ) إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ بِأَنْ عَلِمَ بِعُدُولِهَا، وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهَا، وَلَمْ يَفْعَلْ؛ بَطَلَتْ، (أَوْ عَدَلَ) هُوَ (إلَى غَيْرِهَا) أَيْ: الْقِبْلَةِ، (عَنْ جِهَةِ سَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ) بِعُدُولِهِ بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ قِبْلَتَهُ عَمْدًا. وَسَوَاءٌ طَالَ عُدُولُهُ، أَوْ لَا، (أَوْ عُذِرَ) مَنْ عَدَلَتْ بِهِ دَابَّتُهُ لِعَجْزِهِ عَنْهَا كَجِمَاحِهَا، أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ عُذِرَ مَنْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهَا لِغَفْلَةٍ، أَوْ نَوْمٍ، أَوْ جَهْلٍ أَوْ ظَنَّهَا جِهَةَ سَيْرِهِ، (وَطَالَ) عُدُولُ دَابَّتِهِ أَوْ عُدُولُهُ عُرْفًا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ (وَ) إنْ حَصَلَ الْعُدُولُ (بِعُذْرِ سَهْوٍ قَصِيرٍ) زَمَنَهُ، فَإِنَّهُ (يَسْجُدُ لَهُ) فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ، بَطَلَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ السَّهْوِ، بِخِلَافِ الْغَفْلَةِ النَّوْمِ. (وَإِنْ وَقَفَ) الْمُسَافِرُ الْمُتَنَفِّلُ لِجِهَةِ سَيْرِهِ (لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ) وَقَفَ (مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ) وَقَفَ لِكَوْنِهِ (أَيْسَرَ لِسَيْرِهِمْ) أَيْ: الرُّفْقَةِ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. (أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ، أَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، (اسْتَقْبَلَ) الْقِبْلَةَ حَالَ كَوْنِهِ (نَازِلًا) فِي، الْأَخِيرَةِ (وَيُتِمُّهَا) لِانْقِطَاعِ سَيْرِهِ كَالْخَائِفِ يَأْمَنُ. (وَيَتَّجِهُ وُجُوبُ نُزُولِ رَاكِبٍ) وَقَفَ لِتَعَبِ دَابَّتِهِ، أَوْ مُنْتَظِرًا رُفْقَةً أَوْ لَمْ يَسِرْ لِسَيْرِهِمْ، أَوْ نَوَى النُّزُولَ بِبَلَدٍ دَخَلَهُ إنْ كَانَ (لَا يَتَمَكَّنُ) وَهُوَ رَاكِبٌ (مِنْ نَحْوِ سُجُودٍ)، وَرُكُوعٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، وَاعْتِدَالٍ (سِيَّمَا مُفْتَرِضٌ) وَهَذَا الِاتِّجَاهُ فِي الْمُفْتَرِضِ ظَاهِرٌ، وَيَأْتِي. وَأَمَّا الْمُتَنَفِّلُ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ؛ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهِمَا. (وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً عَلَى دَابَّةٍ، جَازَ وَصَحَّتْ) الصَّلَاةُ (عَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى الدَّابَّةِ. (وَشَرْطُ طَهَارَةِ مَحَلِّ رَاكِبٍ)، مِنْ بَرْدَعَةٍ، وَسَرْجٍ، وَنَحْوِهِ، (وَعَدَمِ مُلَاقَاتِهِ) أَيْ: الرَّاكِبِ (لِنَجِسٍ، كَحِمَارٍ) وَبَغْلٍ، وَفِيلٍ، وَنَحْوِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الْمَكَانِ. (وَلَا يَضُرُّ وَطْءُ دَابَّةٍ نَجَاسَةً) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ أَمْكَنَ رَدُّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَفْعَلْ، بَطَلَتْ. (بَلْ) يَضُرُّ (وَطْءُ مَاشٍ) نَجَاسَةً (عَمْدًا) كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَطْءُ دَابَّةٍ نَجَاسَةً إذَا كَانَتْ غَيْرَ رَطْبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَقُ مِنْهَا بِهَا شَيْءٌ، بِخِلَافِ الرَّطْبَةِ، فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِوَطْءِ الدَّابَّةِ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ أَثَرٍ يَصْحَبُ يَدَ الدَّابَّةِ أَوْ رِجْلَهَا مِنْهَا، فَيَكُونُ كَمَنْ صَلَّى بِمَحَلٍّ نَجِسٍ وَلَا يُرَدُّ أَنَّ جَمِيعَ أَعْضَاءِ الدَّابَّةِ نَجِسَةٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ بَغْلًا، أَوْ حِمَارًا؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ لَا غِنَاءَ عَنْهَا فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا النَّجَاسَةُ فَيُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا وَالتَّحَرُّزُ مِنْهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ رَكِبَ مَاشٍ) مُتَلَبِّسٌ (فِي نَفْلٍ، أَتَمَّهُ) رَاكِبًا، كَمَا لَوْ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الدَّابَّةِ، فَيُتِمُّهَا مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَلَا اسْتِئْنَافٍ. نَصَّ عَلَيْهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَ) كَذَا لَوْ رَكِبَ بَعْدَ شُرُوعِهِ (فِي فَرْضٍ) مَاشِيًا، فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهُ رَاكِبًا، (حَيْثُ جَازَ) الشُّرُوعُ فِيهِ مَاشِيًا، كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ، أَوْ نَارٍ أَوْ مَاءٍ، أَوْ فَوْتِ وَقْتِ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَاجِبَةٌ شَرْعًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَتَبْطُلُ) النَّافِلَةُ (بِرُكُوبِ قَاعِدٍ وَقَائِمٍ)؛ لِأَنَّ حَالَتَهُ حَالَةُ إقَامَةٍ، فَرُكُوبُهُ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى) مُسَافِرٍ (مَاشٍ إحْرَامٌ) إلَى الْقِبْلَةِ، (وَرُكُوعٌ وَسُجُودٌ إلَيْهَا) بِالْأَرْضِ (إنْ أَمْكَنَ) لِتَيَسُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، (وَيَفْعَلُ مَا سِوَاهُ إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ) (وَكَذَا) (رَاكِبٌ) مُتَنَفِّلٌ، يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ، وَيَرْكَعُ، وَيَسْجُدُ وُجُوبًا إنْ (أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ (بِلَا مَشَقَّةٍ) كَرَاكِبِ الْمِحَفَّةِ الْوَاسِعَةِ، وَالسَّفِينَةِ وَالرَّاحِلَةِ الْوَاقِفَةِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فِي عَدَمِ الْمَشَقَّةِ، (وَإِلَّا) يُمْكِنَهُ ذَلِكَ بِلَا مَشَقَّةٍ، كَرَاكِبٍ نَحْوِ بَعِيرٍ مَقْطُورٍ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ بِنَفْسِهِ، أَوْ رَاكِبٍ حَرُونَ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إدَارَتُهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ (فـَ) يُحْرِمُ (إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ، وَيُومِئُ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ. (وَيَلْزَمُ قَادِرًا جَعْلُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ) مِنْ رُكُوعِهِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَجِئْتُ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) تَلْزَمُهُ (طُمَأْنِينَةٌ)؛ لِأَنَّهَا رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ قَدَرَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَلَزِمَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بِالْأَرْضِ.